على الرغم من مرور 76 عامًا على نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده من أراضيه واحتلالها، إلا أن الحاج عدنان عبد الهادي محاميد (86 عامًا) والذي نزح من اللجون إلى أم الفحم عام 1948، وحينها كان يبلغ 10 أعوام، درس في صفوف القرية وترعرع في حقولها وأزقتها، لا يزال يتذكر البلدة ويتشبث بالعودة إليها.
يعرف المُهجّر محاميد اللجون بكل تفاصيلها، ويحفظ تفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة، من أعين الماء إلى التطور الاقتصادي الذي كانت تنعم به قريته وموقعها بين البلدات، ويعرف كذلك الحارات والمباني والعائلات، على الرغم من صغر سنه عندما نزح منها برفقة عائلته إلى أم الفحم المجاورة للجون.
م تكن اللجون بلدة عادية، كما يصفها ابنها عدنان، كانت مليئة بالحياة والطاقات ومتطورة، إذ كانت منازلها مربوطة بشبكة مياه، وكانت فيها شركة للحافلات التي كانت تصل إلى كل المدن الفلسطينية الكبيرة مثل حيفا واللد وعكا ويافا وغيرها، وكان يعمل فيها قرابة 500 عامل من خارجها، وكانت تحوي مدرسة وعيادة طبية.
لا يزال الشاهد على النكبة ينتظر العودة إلى قريته اللجون بعد مرور 76 عامًا على نكبة الشعب الفلسطيني، لا يفارقه الحنين والأمل بالعودة إلى مسقط رأسه، ويزور القرية بشكل متواصل برفقة أحفاده وأولاده، إذ أنه نقل حبها لهم من خلال القصص التي رواها لهم عنها.
بلدة منتجة ومتطورة
يستذكر الحاج محاميد اللجون بأدق التفاصيل، كما وصفها لـ”عرب 48″، قال إن “اللجون تربض على سفوح جبال الروحة وأطراف مرج ابن عامر، إذ أنها كانت بلدة منتجة ومشهورة على مستوى فلسطين بسبب الإنتاج والصناعات التي كانت تخرج منها، حيث كان فيها 6 طواحين ماء وكانت تعمل على الدفع المائي، وكانت البلدة المكان الرئيسي لأهالي مرج ابن عامر والمنطقة في طحن الحبوب والقمح حتى يحصلوا على الطحين، وهذه الطواحين كان يصل عمرها إلى مئات السنين، بالإضافة إلى ذلك كان سوق الخميس فيها لبيع المواشي”.
لم تقتصر اللجون في إنتاجها على الزراعة والحصاد والمواشي، بل كانت فيها شركة حافلات ومحطة رئيسية للحافلات تنطلق منها إلى مناطق أخرى، إذ كان مكان التجمع الرئيسي للحافلات في قريتنا، ويبين محاميد أنه “من قريتنا كانت تنطلق الحافلات إلى حيفا وعكا ويافا الدول العربية المجاورة، وكان يطلق على الشركة اسم شركة اللجون للحافلات، إذ أنني أتذكر أن البلدة كانت متطورة وكان فيها بعض المقاهي، وأيضًا في أربعينيات القرن الماضي، قبل النكبة، كانت فيها جرارات لحراثة وتنظيف الأرض، وكان العمل في الأرض متطورًا وحديثا”.
منازل مزودة بالماء
عن شبكة المياه في اللجون قبل النكبة، يقول محاميد إنه “قبل النكبة تمكنا من إيصال المياه إلى المنازل حيث كانت مياه داخل المنازل وليس كما كان سابقًا في البلدات، حيث عيون الماء ومنها تأخذ الناس الماء إلى المنازل، على العكس في بلدي وقبل النكبة تمكنا من إيصال الماء للمنازل وهذا كان بمثابة تطور هائل في حينه، وكانت في البلدة مدرسة تضم عددا من الصفوف، إذ كان الصف في منزل الأستاذ أبو قطش، والبلدة لم تقتصر على المدارس، بل كانت فيها عيادة طبية لمعالجة المرضة، والطبيب الذي داوم في العيادة من جنين”.
يفنّد المُهجّر من اللجون الادعاءات بأن البلدات الفلسطينية كانت “بدائية” وهو يؤكد أن “اللجون كانت متطورة، نزحنا إلى أم الفحم، لم تكن فيها عيادة أو شبكة مياه وحصل ذلك بعد العام 1956 أي بعد النكبة بسنوات، والمؤسسة الإسرائيلية أخذت الأفكار من القرى الفلسطينية التي تم تهجير أهلها، أي أن كل الادعاءات باطلة وقرانا كانت متطورة، حيث كان يعمل في بلدتنا قرابة 500 عامل من مدن وقرى مختلفة”.
سنعود مهما طال الزمن
على الرغم من مرور 76 عامًا على النكبة، إلا أن المسن محاميد لا يزال يتمسك بحق العودة إلى قريته التي نزح منها، ويقول إنه “لا زلت أشتاق وأتشبث بالعودة إلى بلدي، إذ أنني بانتظار العودة بكل ثمن. عندما نزحنا من البلدة قال والدي لنا إنه من الممكن أن يكون النزوح يوما أو يومين وسنعود، وعلى ذلك لم نأخذ من المنزل إلا الأمور البسيطة جدًا، لأننا كنا على أمل أن نعود بعد يومين، ولكننا يا للأسف لا نزال ننتظر العودة حتى يومنا هذا وبعد مرور 76 عامًا وسنعود إلى بلدتنا الحبيبة ولم ننساها أبدًا، إذ أن الإسرائيليين قالوا إن الكبار سيموتون والصغار سينسون، ولكننا ورثنا حبنا وارتباطنا ببلادنا من الأجداد والآباء ولم نتخل عنها مهما طال الزمن”.
لم يتحدث محاميد عن بلدته وحدها، بل استذكر البلدات الفلسطينية الأخرى وما حصل خلال النكبة وعندما أجبر الأهالي على النزوح من منازلهم، وهو يقول إنه “لم يتم تهجير بلدتي وحدها، بل أكثر من 531 قرية بالقوة وتحت السلاح والذخائر والقنابل التي كانت تلقى على المواطنين، إذ أنني أتذكر الرصاص الذي كان يمر من فوق رؤوسنا عندما خرجنا من بلدتنا حيث كانت الاعتداءات مستمرة على البلدات الفلسطينية وأجبروا الأهالي على النزوح منها، والنكبة مستمرة ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا”.
غزة تتعرض للإبادة
يقارن المُهجّر محاميد ما يحصل في غزة اليوم، وما حصل خلال النكبة عام 1948، ويؤكد أن “الإبادة في قطاع غزة اليوم تستهدف كل شيء، الأرض والحجر والشجر والإنسان، وقبل ذلك كان الهدف الاستيلاء على البلدات والمنازل. إن الهدف اليوم الاستيلاء على كل شيء، لذلك يقومون بإبادة كل شيء، وهذه الأعمال الإجرامية هي أصعب ما شهدته البشرية، لذلك علينا أن نطالب ونساند كل من يعمل من أجل إيقاف هذا الإجرام وخاصةً طلاب الجامعات حول العالم”.
يربط الشاهد على النكبة ما يحصل من تخاذل عربي تجاه غزة الآن بالتخاذل العربي الذي حصل في النكبة، ويقول إنه “حتى اللحظة أذكر جيش الإنقاذ العربي الذي وصل إلى اللجون خلال ساعات الليل لمساعدة الأهالي في القرية وكافة الفلسطينيين، حينها انطلق الجيش العربي من بلدنا إلى منطقة أبو شوشة قضاء حيفا، وحينها سيطروا على القرية بعد أن كانت محتلة من قبل العصابات الصهيونية، إذ أنهم رفعوا في حينه الأعلام البيضاء على المستعمرة، وبعد ساعتين من السيطرة على القرية، وصلت أوامر بإخلاء القرية وحينها انسحب جيش الإنقاذ واشتبك مع العصابات الصهيونية في قضاء جنين، لذلك أنا أقول إنه لو لم تتخاذل القيادات العربية لما تمكن أحد من احتلال فلسطين”.
وختم المسن محاميد حديثه بالقول إنه “لا يعقل أن تتخاذل الأمة العربية والقيادات كما يحصل اليوم، إذ أنني اتهم الحكام العرب الذين لا يناصرون القضية الفلسطينية والذين يتخاذلون ويتآمرون عليها ونهايتهم إلى زوال، وحتمًا ستستيقظ الشعوب العربية من سباتها، وسنعود إلى بلداتنا وأرضنا التي تهجرنا منها”.