لم يعد سرا أن خلافات تدور بين الأحزاب والشخصيات المشاركة في حكومة الحرب الاسرائيلية، لكنها المرة الأولى التي تطفو فيها تلك الخلافات على السطح، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، وهذه المرة بين أقطاب الحكومة الإسرائيلية علنا، منذرة بأزمة سياسية كبيرة قد تؤدي إلى تصدع الحكومة وربما حلّها. وتأتي هذه الخلافات في ضوء تزايد أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجيش الاسرائيلي مع اشتداد المعارك على محاور القتال في القطاع، كان آخرها سقوط خمسة جنود في شمال قطاع غزة أمس الخميس.
والخلاف الجديد، هو قديم – جديد بين وزير الأمن، يوآف غالانت، الذي خرج أول أمس الأربعاء، بتصريحات قاسية بحق رئيس حكومته نتنياهو في مؤتمر صحفي عقده، قال فيه إنه “عشية الاجتياح البري في أكتوبر، قدم الجيش بيانا مفاده أنه من الضروري العمل من أجل إيجاد بديل لحماس”. وقال غالانت إن “الخطة لم تطرح للمناقشة، والأسوأ من ذلك أنه لم يتم طرح أي بديل مكانها. إن وجود حكم عسكري ومدني إسرائيلي في غزة هو بديل سيئ وخطير لدولة إسرائيل”.
وقال خلال مؤتمر صحفي: “إن الحملة العسكرية يجب أن تنتهي بخطوات سياسية. واليوم التالي لحماس لن يتحقق إلا على يد عناصر ستكون بديلاً لحماس. وهذه قبل كل شيء مصلحة إسرائيلية”.
ودعا غالانت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى “اتخاذ قرار وإعلان أن إسرائيل لن تحكم قطاع غزة مدنيا، وأنه لن تكون هناك حكم عسكري مدني إسرائيلي في قطاع غزة”.
ورد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على غالانت قائلا: “بعد المذبحة الرهيبة، أمرت بتدمير حماس. ومقاتلو الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن يقاتلون من أجل ذلك. وطالما بقيت حماس، فلن يتمكن أي كيان آخر من إدارة غزة، وبالتأكيد ليس السلطة الفلسطينية”.
للوقوف على أبعاد تصريحات غالانت وانعكاساتها السياسية على الائتلاف الحكومي والمستقبل السياسي لصاحبها، التقت “الصنارة” الباحث والمحلل السياسي أمير مخول.
الصنارة: ما هي أهمية تصريحات غالانت الأخيرة وما هي الأبعاد التي تحملها؟
مخول: خطاب غالانت هو الاهم منذ 7 اكتوبر وفيه فتح جبهة الحرب “الثامنة”، بين المؤسسة الأمنية العسكرية وحكومة نتنياهو ورئيسها حصريا. وأظهر تناقضا جوهريا بين تقديرات الجيش وتقديرات المنظومة السياسية.
تقديرات الجيش تشير الى أن ما أنجزه الجيش في كافة مناطق غزة، من وجهة نظره، بات يتآكل بسبب عدم وجود خطة لليوم التالي، كما يسمى. غالانت في تصريحاته يتحدى نتنياهو ويطالبه بحسم موقفه، إما باحتلال غزة واقامة حكم عسكري، وهذا ما يجري حاليا، وتتحول ساحة الحرب الى حرب استزاف مهلكة للاسرائيليين، وإما وضع خطة يسلم فيه طرف فلسطيني الحكم في القطاع ويقصد بذلك السلطة الفلسطينية.
تصريحات غالانت عكست شرخا عميقا جدا داخل المنظومة الاسرائيلية، فالتورط في غزة أحدث هذا الشرخ بين المنظومات المختلفة ونوع من عدم القدرة على ضبط الأمور اسرائيليا، وعدم ايجاد أي مخرج داخلي للأمور. وهذا يخلق حالة من الخطورة، خطورة بمعنى أن اسرائيل قد تتجه نحو خيارات أكثر قصوى، بما فيها التهجير وقد يذهب فيها نتنياهو اذا استطاع ذلك، أو باتجاه الاستيلاء على غزة بالكامل من خلال الاعلان عن منطقة عازلة سواء في ممر نيتسريم والسيطرة على شمال غزة بالمطلق وتهجير سكان غزة (وهذا يختلف عما كان حتى 2005) حيث بات السكان مهجرون الآن عمليا، والطريق الوحيد لديهم الهجرة، وهناك أكثر من 700 ألف مهجر اليوم، باتجاه البحر وميناء المساعدات الانسانية، الذي يحتمل أن يكون عاملا يساعد على التهجير بدل تقديم المساعدات.
الصنارة: لكن رد نتنياهو لم يتأخر، فهل هذا يعني أنه لن يقيل الوزير غالانت كما حدث أثناء الحراك الشعبي في التصدي للاجراءات الحكومية على صعيد القضاء؟
مخول: تصريحات نتنياهو حملت أمرا مهما وهو توقفه عند السلطة الفلسطينية وهذا قد يكون المنحى الحالي، وهو السعي الفعلي متعدد المسارات. وقال لن يكون “فتحستان ولا حماستان” وأكد أن السلطة الفلسطينية تساعد وتربي على الارهاب وتدعمه. عمليا يريد ان يمنع تطورات باتجاه دولة فلسطينية وهذا يتم بالقضاء على السلطة الفلسطينية، وهذا ما سعى اليه أيضا سموتريتش الذي جمع رؤساء المستوطنات ليقول لهم أن هناك خطورة مباشرة في اقامة دولة فلسطينية وعليكم أن تكونوا مستعدين، يريد أن يخلق شارعا استيطانيا يواجه امكانية قيام سلطة فلسطينية في غزة، والعمل على اجتياح مدن في الضفة كما حصل الليلة (الليلة الفائتة- الصنارة) أي أن الأمور تتفاقم بشكل جدي في الضفة الغربية. واضح أنه كل وزير له مشروعه ويعمل على تنفيذه. ضعف نتنياهو وقلقلة حكومته وقد تكون نهايتها نتيجة هذا الوضع والموقف المصري، لكن هذا قد يؤدي الى زعزعة الحكومة من داخلها خاصة أنه أضيف اليه اليوم موضوع التجنيد. الاحتمالات كلها مفتوحة وأكثرها ترجيحا في هذه المرحلة ليس موقف غالانت انما موقف نتنياهو، لأن المعارضة لا تملك قوة وغانتس لا يملك صوتا.
الصنارة: علاقة غالانت ونتنياهو اتسمت بعدم الاستقرار، وهذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها شرخ بينهما، فهل هذا يدل على انتهاج غالانت كشخصية مستقلة وهل هناك أبعاد ومؤشرات سياسية لها؟
مخول: أعتقد أن غالانت ضعيف جدا داخل الليكود لكنه قوي على مستوى الرأي العام. هو منبوذ داخل الليكود ويتمنون اقالته، ولو أقدم نتنياهو على على اقالته ستحدث احتجاجات وقلاقل في الشوارع، أقوى من المرة الماضية، لأن المواضيع اليوم أكثر حدة. غالانت هو الأكثر ضعفا داخل الليكود من حيث التأثير الحزبي، لكنه يكتسب قوته من موقف الجيش الذي يأتي باسمه وهو أجرأ من غانتس الذي يغيب صوته في هذه المرحلة. واضح أن مستقبل غالانت السياسي لن يكون في الليكود، لذا لا يعول على الليكود، ومستقبله السياسي سيكون في حزب آخر أو خارج اللعبة السياسية.
الصنارة: هل صحيح ما يزعمه اليمين بأن هذه التصريحات تضعف اسرائيل وموقفها عالميا؟
مخول: لا، هو يستخدم دوليا بأن اليمين الحاكم يريد توريط اسرائيل والمجتمع الدولي، لكن لا يؤثر على نجاح اسرائيل وتورطها في الحرب، فهي متورطة ليس بسبب تصريحات غالانت انما متورطة بشكل استراتيجي كبير، بما فيه في رفح وشمال غزة قام غالانت بما قام فيه وهذا ما يقوله الجيش بأن عدم الحسم يؤدي إلى تآكل انجازات الحرب وهذا ما بات واضحا. لذا موضوع النصر بأنه على بعد خطوة هو سراب كلما اقتربوا منه يصبح أبعد.
الصنارة: هل نفهم من هذا أن تصريحات غالانت عبارة عن زوبعة أخرى في فنجان وسرعان ما تهدأ؟
مخول: لا ليست زوبعة برأيي، بل هي مؤثرة وتستغل أمريكيا وعربيا. الأمور ليست بالحدث البسيط ولن تمر مر الكرام، وستكون لها تأثير كبير حتى لو لم تغير سياسات لأن اسرائيل المأزومة ليس لها طريق للأمام ولا للوراء، ولا تستطيع أن تعلن انتصارها.