وادي عاره
رئيس بلدية أم الفحم: هذه المصطلحات تُعرّف علاقتنا بالميزانيات – “إقصاء، تجميد، عرقلة”

مطلع الأسبوع الحالي، شاركتُ باجتماع ممثلي اللجنة القطرية مع مسؤولي وزارة المالية وبحضور مندوبي وزارة المساواة الاجتماعية، لمتابعة تنفيذ الخطة الحكومية المعروفة باسم “الخطة الخماسية 550″، التي صُممت وأقرت – نظريًا – لتقليص الفجوات العميقة بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي.
لكن مجريات الاجتماع أكّدت ما يعرفه كل مواطن عربي في هذه البلاد: بانه لا توجد نية حقيقية لتطبيق هذه الخطة بعدالة، بل تُستخدم الخطط كغطاء لتجميد المشاريع، تأجيل الميزانيات، ومواصلة التمييز البنيوي.
*
إقصاء متعمَّد من الوزارات*

من الحقائق الصادمة التي طرحت خلال الجلسة: إقصاء 17 سلطة محلية عربية من النداءات التي أعلنت عنها وزارة تطوير النقب والجليل للتقدم لمشاريع وتجاوز عوائق اقتصادية. لم يكن هذا تقصيرًا فنيًا، بل تمييز صارخ واضح، حين تُفتح فرص لسلطات محلية في البلاد لتقديم طلبات دعم وتُحرم السلطات المحلية العربية من هذه النداءات.
الأمر لا يتوقف هنا، بل يتعداه إلى امتناع وزارة تطوير النقب والجليل عن تحويل الميزانيات التي التزمت بها بحسب القرار الحكومي المذكور. فهل نحتاج إلى التوجّه للمحكمة لإلزام الدولة لتنفيذ قرارها الرسمي؟ الجواب – بكل أسف – هو نعم.
نشير بهذا السياق أنّ بلدية ام الفحم حصلت في سنوات سابقة على عشرات ملايين الشواقل من هذه النداءات لإقامة مبانٍ بهدف زيادة المدخولات الذاتية للبلدية، والتي هي في طور البناء اليوم.
*
ميزانيات متاحة… لكنها عالقة*

في وزارة الداخلية، لا تزال هناك ميزانيات كبيرة مخصصة للتطوير في البلدات العربية عالقة دون صرفها، والحديث يدور عن 400 مليون شيقل تقريبًا. على سبيل المثال، مدينة أم الفحم خصّص لها مبلغ 17.8 مليون شيكل لتطوير مشاريع بنى تحتية، لكنّ هذه الأموال لم تُحرّر بعد. ولا عذرَ بيروقراطيًا يمكنه أن يبرّرَ حرمانَ مدينة بحجم أم الفحم من التطوير الحقيقي، خاصةً في ظل أزمات العنف، الفقر، والنقص بالبنى التحتية. وقِس على ذلك باقي البلدات في المجتمع العربي.
*
المواصلات: من 2 مليار شيقل إلى فتات*

في بداية الخطة الخماسية، خُصص مبلغ 2 مليار شيقل لتحسين شبكة المواصلات في البلدات العربية. لكننا اليوم أمام ميزانية تقلصت إلى 300 مليون شيقل فقط، وحتى هذه لم نحصل عليها بعد، والأسوأ من ذلك، أنّ هذا المبلغ المتبقي يُطرح كمبلغ مشترك للمجتمعين العربي واليهودي، الذي حصل بالسابق على ميزانيات خاصة بحجة وجود الخطة الخماسية 550، دون تخصيص للمجتمع العربي، دون عدالة، ودون معالجة للفجوات الفعلية.
المجتمع العربي، الذي يعاني من غياب شبكات المواصلات، من بلدات بلا مواقف عامة، بلا مسارات آمنة، وبلا مواصلات عامة، يحصل على نفس “الحصّة” التي يحصل عليها المجتمع اليهودي الذي يعيش بنى تحتية حضارية متطورة.
*
منع تعديل القرار وفرض الإذعان*

ممثلو وزارة المالية صرحوا خلال لقائنا بهم بوضوح أنّ الخطةَ لا يمكن إجراء تعديلات عليها، ولا حتى فتح باب النقاش حولها. أيّ تغيير من هذا القبيل يتطّلب قرارًا حكوميًا جديدًا – وهو أمر مستحيل في ظل تركيبة الحكومة الحالية. المواطن العربي، إذن، مطالب بالقبول بخطة ناقصة، مجمّدة، ومتآكلة، لا تعالج حاجاته ولا تراعي خصوصيته.
*
أزمات تأخير الميزانيات: سيناريو يتكرر سنويًا*

في الجلسة ذكر مسؤولو الوزارات أنّ تأخير الميزانيات يعود إلى تأخر تمرير الموازنة العامة للدولة، وإنهاء المدير العام لوزارة الداخلية لعمله. لكننا نعي جيدًا أنّ هذا السيناريو يتكرر سنويًا، وأنّ السلطات المحلية العربية تدفع الثمن في كل مرة، فتُشلّ المشاريع وتُجمّد الخطط ويُترك المواطن دون بنى تحتية ولا خدمات.
*
العنف يحصد المزيد من الضحايا – والحكومة تتفرج!*

مرةً أخرى، ينزف مجتمعنا العربي تحت وابل الرصاص، ومرةً أخرى تُدفن أحلامنا مع كل ضحية جديدة، دون أن نرى أي تحرّك جدي من الحكومة وأذرعها. مع الإعلان صباح أمس الخميس عن وفاة المرحومة كفاح حنّاوي من مدينة اللد، التي أُصيبت بجراح حرجة في جريمة إطلاق نار بتاريخ 12.7، لترتفع حصيلة الضحايا العرب في البلاد منذ مطلع عام 2025 إلى 147 قتيلًا في ظروف تتعلق بالعنف والجريمة مقابل 130 ضحية في العام 2024 لنفس الفترة، 9 من الضحايا قُتلوا برصاص الشرطة، وفق معطيات صندوق إبراهيم.
نحن لا نتحدث عن أرقام فقط، بل عن أرواحٍ أُزهقت، وبيوتٍ دُمرت، وأمهات ثكالى، وأطفال يُتموا. الأسوأ من ذلك أنّ الدولة تتعامل معنا وكأننا في هامش اهتمامها، والشرطة التي من المفترض أن توفّر الأمن، لا تملك الإرادة ولا الرغبة في التصدي الجدي لآفة العنف والجريمة.
نحن اليوم أمام ارتفاع بالجريمة بنسبة 14% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2024، ما يؤكد أنّ الخطر يتفاقم، وأن ما يُقدَّم من خطط حكومية لا يتعدى الشعارات الجوفاء.
من هنا، فإننا نطالب مرة أخرى بخطة طوارئ حقيقية لمواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي، تشمل تجفيف منابع السلاح، وتفكيك منظمات الإجرام، وتفعيل آليات الشرطة بشكل عادل ومسؤول.
وفي الوقت ذاته، نُوجّه نداءً صادقًا إلى مجتمعنا: حافظوا على أرواحكم، لا تعطوا للشر فرصة، ولا تجعلوا السلاح وسيلة لحلّ الخلافات، فدمنا ليس رخيصًا!.
*
خلاصة القول: خطط بلا نوايا، وعدالة بلا أدوات*

اجتماع وزارة المالية لم يكن سوى مرآة يعكس الوضع السياسي والاقتصادي المتراكم: قرارات تُتخذ دون التزام، ميزانيات تُقلّص دون تفسير، وتمييز يُمارس دون خجل.
الخطط تبقى ورقية، والواقع لا يتغير. بدلًا من سد الفجوات، تُكرّس الحكومة الفجوة، وتُحمّل المجتمع العربي مسؤولية الإخفاق رغم أنها لا تمنحه الأدوات ولا التمويل اللازم.
*
المطلوب: موقف جماعي وتحرك شعبي*

من حق كل طفل في أم الفحم، سخنين، رهط وجسر الزرقاء وكل المجتمع العربي أن يدخل صفًا حديثًا، مع بداية السنة الدراسية الوشيكة، وأن يستقلَّ حافلةً ضمن شبكة المواصلات العامة لكل مكان يريد الوصول إليه، وأن يرى حارته مضاءة وآمنة. ومن واجبنا كمجتمع أن نطالب بذلك، لا عبر “توصيات”، بل عبر ضغط سياسي، شعبي، قانوني، ومهني مستمر وموحّد.
*
فوز يصنع الفرق*

إزاء ما تحدثنا به آنفًا، فإننا لن نيأس ولن نرفع أيدينا، وسنستمر بالعمل لصالح مجتمعنا وأهلنا وبلداتنا، حتى بميزانيات قليلة وشحيحة، ونصنع الفرقَ عبرها، لنقدّمَ مشاريع البنى التحتية والخدمات الأفضل للمواطنين. وهو بالضبط ما شهدناه هذا الأسبوع من فوز مستحق لطلاب مجموعة يونستريم في المركز الجماهيري، والذين فازوا بالمرتبة الأولى على مستوى منطقة الشمال، من خلال مشروع (إشارة) الذي بُرمِج لأطفال على طيف التوحّد.
مبارك لكم هذا الفوز، مبارك لأم الفحم، مبارك للمركز الجماهيري وطلابه وأهالي الطلاب، مبارك لطاقم البرنامج والمرشدين والموجهين. هكذا نحن نصنع من اللاشيء شيئًا كبيرًا.