
ي ظل درجات حرارة قياسية وجفاف غير مسبوق في شمال البلاد، أطلقت سلطة المياه الإسرائيلية تحذيرًا صارخًا مما وصفته بـ”سنة جفاف تاريخية”، حيث تعاني مصادر المياه، خصوصًا في الشمال، من شحّ شديد يهدد الزراعة، البيئة، والمجتمع بأكمله.
“نحن في سنة جفاف لم نشهد مثلها منذ قرن”
بهذه الكلمات حذر يحزكيل (حزي) ليفشيتس، مدير سلطة المياه، من حجم الخطر الداهم، وقال لموقع “واينت”:
“من وجهة نظرنا، نحن نعيش سنة جفاف لم تحدث مثلها منذ 100 عام. أقول ذلك استنادًا إلى معطيات دقيقة ومقيسة. نهر البانياس يكاد يجف، ومصادر المياه في الشمال شحيحة للغاية”.
ورغم أن السلطة لا تملك صلاحية إعلان حالة الجفاف من الناحية الاقتصادية، إلا أن ليفشيتس طالب وزارة المالية بالتحرك العاجل لمواجهة الأزمة المتفاقمة، مشيرًا إلى أن العوامل المناخية، إلى جانب النمو السكاني، زادت من الطلب على المياه مقابل تراجع في معدلات الأمطار.
الزراعة على خط النار: “نقتلع المحاصيل لننقذ البساتين”
القطاع الزراعي، الذي يستهلك نحو 1.2 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، يتصدر قائمة المتأثرين. ففي مناطق مثل الجليل الأعلى وهضبة الجولان، توقفت زراعة المحاصيل الحقلية تمامًا، وتم إعطاء الأولوية لريّ البساتين للحفاظ عليها من الموت.
وقال ليفشيتس:
“نحن لسنا تركيا أو إسبانيا. في إسبانيا، حين يجف الزيتون ترتفع الأسعار، أما عندنا فعندما تجف الأشجار، لن يكون هناك زيتون من الأساس”.
وأشار إلى أن المزارعين في الجولان، غير المتصلين بشبكة المياه القطرية، تعرضوا لتقليصات مؤلمة هذا العام، محذرًا من أن هذه التقليصات قد تشمل مزارعي باقي أنحاء البلاد العام المقبل.
الحلول: تحلية المياه… ولكن بثمن بيئي واقتصادي باهظ
أحد الحلول التي تراها السلطة ضرورية هو زيادة محطات تحلية المياه. لكن هذا المسار لا يخلو من التحديات:
-
محطة التحلية الجديدة في الجليل الغربي من المتوقع أن تبدأ العمل في عام 2027، بعد تأخيرات طويلة بسبب اعتراضات محلية.
-
كل محطة تحلية تستهلك ما يعادل نصف بالمئة من مجمل استهلاك الكهرباء في البلاد، مما يرفع التكاليف ويُشكّل عبئًا على الشبكة الوطنية.
-
الطلب المتزايد على محطات التحلية الحالية مثل أشدود والخضيرة وأشكلون، سيؤدي إلى رفع الإنتاج، حتى لو تطلّب الأمر دفع تكلفة كهرباء أعلى.
وقال ليفشيتس:
“نحن نشتري المزيد من المياه من محطات التحلية لأن الأمطار لم تهطل هذا العام. المياه المُحلّاة أغلى، لكن لا خيار أمامنا”.
البنية التحتية مهددة.. والزلزال أكبر هاجس
من بين أكبر المخاوف التي عبّر عنها مدير سلطة المياه، لم تكن الحرب أو الهجمات السيبرانية، بل زلزال مدمر قد يضرب البلاد.
“السيوف الحديدية؟ حرب مع إيران؟ تلك أمور أقل إثارة للقلق. الزلزال هو الخطر الحقيقي”، قال ليفشيتس.
ورغم أن الحرب الأخيرة تخللتها محاولات اختراق إلكترونية متكررة للبنية التحتية المائية، أشار إلى أن العمل المشترك مع هيئة السايبر الوطنية ساهم في منع اختراقات حقيقية حتى الآن.
تحذيرات قديمة… لكن لم يُصغِ أحد
تحدث ليفشيتس عن فشل سابق في التعامل مع التحذيرات، مشيرًا إلى أن شركة “مكوروت” كانت قد نبهت منذ سنوات إلى ضرورة ربط الجليل الأعلى والجولان بالشبكة القطرية للمياه، إلا أن البيروقراطية والاعتراضات المحلية أعاقت تنفيذ هذه الخطط.
“المفارقة أن سكان الجليل الغربي الذين اعترضوا على إقامة محطة التحلية، هم من سيستفيدون منها أولًا”، قال ليفشيتس.
بحيرة طبريا… بلا ارتفاع لأول مرة!
وفي ختام حديثه، أعرب ليفشيتس عن قلقه العميق من التغير المناخي، مشيرًا إلى أنه لأول مرة منذ عقود، لم تُسجّل بحيرة طبريا أي ارتفاع يُذكر في منسوب المياه خلال الشتاء الأخير، وهو أمر غير مسبوق يعكس حجم أزمة المياه والمناخ التي تواجهها البلاد.
خلاصة:
إسرائيل تقف على أعتاب أزمة مائية هي الأخطر منذ قرن، وسط تصاعد في استهلاك المياه وتراجع حاد في مصادرها الطبيعية. ومع تزايد المخاطر المناخية والبيئية، تبدو الحاجة ملحّة لإجراءات عاجلة، تشمل:
-
إعادة تخطيط سياسات التحلية
-
تقنين استخدام المياه في الزراعة
-
تسريع ربط المناطق غير المخدومة بالشبكة القطرية
-
والاستعداد لكارثة محتملة في حال وقوع زلزال أو هجمات إلكترونية ناجحة