تشهد مدينة أم الفحم، على غرار العديد من البلدات العربية في البلاد، تصاعدًا خطيرًا في مستويات العنف والجريمة خلال السنوات الأخيرة، وسط تزايد حالات إطلاق النار، والابتزاز، والاعتداءات، وغياب شبه تام لحضور الشرطة أو تدخلها الفعال. وتحوّلت هذه الظاهرة إلى مصدر قلق دائم للسكان، الذين يعيشون يوميًا تحت تهديد فقدان الأمن والأمان، في ظل تزايد أعداد الضحايا عامًا بعد عام.
ورغم المؤتمرات، المبادرات الاجتماعية، والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدينة، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير كثيرًا. فعمليات القتل وإطلاق النار ما زالت تتكرر بوتيرة مقلقة، بينما تبقى الحلول الرسمية محدودة وغير قادرة على وقف هذا النزيف المتواصل.
حلول من الماضي تعود إلى الواجهة
في خضم هذا المشهد القاتم، برزت من جديد مبادرات قديمة طالها الإهمال لأكثر من ربع قرن، وفي مقدمتها اقتراح إقامة لجان حراسة شعبية لحماية المدينة، وهو مشروع كان قد مرّ بجميع مراحل المصادقة الرسمية، لكنه لم يُنفَّذ بسبب معارضة داخلية.
ويكشف رئيس بلدية أم الفحم السابق، د. سليمان إغبارية، عن تفاصيل تلك المبادرة قائلاً:
“قبل 25 عامًا اتخذنا قرارًا خلال جلسة في البلدية بإقرار قانون كان قد طُبّق في مدينة نتانيا، يقضي بإنشاء منظومة حراسة لحماية المدينة. وقد حصلنا حينها على موافقة الوزير، على أن تُفرض تكلفة رمزية بقيمة 7 شواقل شهريًا على كل عائلة لإنجاح المشروع. لكن للأسف تم تجميد القرار بسبب معارضة بعض أعضاء البلدية وبعض الأشخاص، واليوم أرى أنه من الضروري إعادة النظر بهذا الاقتراح من جديد.”
كان المشروع يهدف إلى إقامة حراسات ليلية منظمة، دوريات، منظومة مراقبة، وتجنيد طواقم محلية تُعنى بالأمن الوقائي داخل الأحياء، بهدف ردع المجرمين وحماية السكان. ورغم بساطة التكلفة الشهرية المقترحة، إلا أن اعتراضات محدودة – وُصفت حينها بأنها سياسية وغير مهنية – أدت إلى تجميده.
أم الفحم اليوم… واقع أشد خطورة
اليوم، وبعد مرور 25 عامًا، يجد كثير من الأهالي والقيادات المحلية أن الظروف أصبحت أكثر قسوة، وأن الحاجة إلى مثل هذه المبادرة باتت ضرورة ملحّة، خاصة في ظل غياب حلول رسمية ناجعة، وازدياد شعور السكان بأنهم متروكون لمصيرهم.
فالمدينة شهدت خلال السنوات الأخيرة عشرات جرائم القتل ومحاولات الاغتيال وإطلاق النار، بعضها جرى في وضح النهار وأمام المارة. كما أن العديد من العائلات باتت تشعر بأنها غير آمنة داخل بيوتها، بينما تضطر محال تجارية للإغلاق مبكرًا بسبب الخوف.
لجان الحراسة… هل تكون بداية الطريق؟
المؤيدون لإحياء مشروع لجان الحراسة يؤكدون أن نجاحه يعتمد على شراكة حقيقية من الأهالي من خلال التزام شهري رمزي، ورقابة مهنية، وقواعد واضحة تمنع أي تجاوزات أو استغلال، ليكون المشروع أداة ردع فعّالة وليس بديلاً عن الشرطة، بل مكملًا لدورها الغائب.
ويرى د. سليمان إغبارية أن نجاح المشروع “لن يتحقق إلا بتكاتف المجتمع الفحماوي، واستيعاب أن الأمن مسؤولية جماعية لا يمكن تركها لمؤسسات رسمية قصّرت لسنوات طويلة.”




