الجريمة والسياحة
تراجع ملحوظ في السياحة الداخلية لمدينة الناصرة بسبب تفاقم الجريمة والعنف في المجتمع العربي
• أصحاب المقاهي والمطاعم يعولون على موسم الذروة وفترة الأعياد الميلادية لانتعاش مصالهم
تشهد مدينة الناصرة تراجعا كبيرا في حركة السياحة الداخلية، من الإسرائيليين الذين اختاروا في الماضي قضاء فرصة الأعياد في فنادق وبيوت الضيافة وشوارع المدينة وبلدتها القديمة، لكن أحداث العنف والجريمة التي شهدتها المدينة ويشهدها المجتمع العربي منذ بداية الجاري، والتي بلغت أرقاما يعجز العقل السوي عن استيعابها، جعلت حتى سكان المدينة يخشون التجول في شوارع المدينة وأزقتها ومطاعمها ومقاهيها ومحلاتها التجارية.
يجمع غالبية أصحاب المصالح التجارية والسياحية في المدينة على ان المدينة لم تشهد مثل هذا الشلل الاقتصادي حتى في فترة جائحة “كورونا” التي جعلت الناس يلتزمون بيوتهم، ولا يتجوّلون الا باستخدام الكمامة ووسائل الوقاية والمعقمات والحرص على التباعد المكاني. أما اليوم وقد تبدّد الخوف من وباء “كورونا” جاء ليحل محله وباء العنف والجريمة الذي بات يطرق كل باب ويقض مضاجع المواطنين جميعا حتى ممن لم ينخرطوا في هذا الوباء فالقتل لم يعد يميز بين شاب وفتاة وكبير وصغير، ومذنب وبريء!!
قبل أيام احتفل الشعب اليهودي بعيد رأس السنة الجديدة، وهو واحد من أهم الأعياد اليهودية التي لا يلتزم فيها اليهود بيوتهم كيوم “الغفران” على سبيل المثال، بل يقضونه مع العائلة في البلاد أو في الخارج، ولأن عطلته تستمر ليومين فقط، يختار العديد من سكان مناطق المركز أو الشمال أو الجنوب التمتع بالسياحة الداخلية من خلال التعرف على المواقع السياحية والأثرية والتاريخية في البلاد، وكثيرون هم الذين يختارون مدينة الناصرة العريقة كوجهة سياحية.
تعتبر مدينة الناصرة واحدة من أهم المدن السياحية في البلاد، ويزورها مئات الآلاف سنويا، ولتسليط الضوء على الناصرة كمدينة سياحية يقول المستشار السياحي طارق شحادة، ان المعطيات المتوفرة لديه تظهر بأن مدينة الناصرة ومحلاتها التجارية والبلدة القديمة فيها التي تضم السوق القديم، تعتمد في الدرجة الأولى على السياحة التي تصنف على ان 80% منها هي سياحة وافدة من خارج البلاد، و20% سياحة داخلية، وعادة ما تشهد فترة الأعياد الميلادية المجيدة، أكبر نشاط سياحي داخلي من المدن والبلدات اليهودية البعيدة والمجاورة على حد سواء.
ويضيف شحادة ان السياحة الوافدة الى مدينة الناصرة تبلغ ذروتها عادة في الأشهر آذار، نيسان وأيار، ثم في الأشهر أيلول، تشرين أول وتشرين الثاني، أي في غير أشهر الصيف. ويعود السبب في ذلك الى الانتقال من سياحة الاستجمام الصيفية الى السياحية الدينية والثقافية والتاريخية. وعن القدرة الاستيعابية فإن فنادق مدينة الناصرة وبيوت الضيافة فيها تبلغ حوالي 1600 غرفة، وفيها ثمانية فنادق كبيرة وعدد من بيوت الضيافة التي تحتوي مجتمعة معها على حوالي 100 غرفة.
ويؤكد طارق شحادة، المدير السابق لجمعية الثقافة والسياحة في الناصرة، أن أحداث الجريمة والعنف التي تتصدر عناوين نشرات الأخبار العبرية والعربية أثرت بشكل كبير على عدد الزوار اليوميين (الذين يزورون المدينة ليوم أو يومين) وأثرت كذلك على الحركة الاقتصادية والتجارية في داخل المدينة، وأثرت على الحركة السياحية في البلدة القديمة وعلى بيوت الضيافة والمقاهي، وأبعدت السياحة الى أطراف المدينة، حيث شهدت الفنادق الكبيرة جولدن كراون، بلازا، رمادا، حركة سياحية نشطة، نظرا لتوفر كل الخدمات وكل الرفاهية فيها وأهمها طقس جميل، فعاليات ترفيهية وموسيقية، سباحة وثقافة الأكل العربية الشرقية، وعندما عُرض على السائحين جولة في المدينة الغالبية فضلت عدم المشاركة في الجولة!
وفي زيارة قام بها مراسلنا الى البلدة القديمة التقى فيها مع عدد من أصحاب المقاهي وبيوت الضيافة والحلويات التي تشتهر فيها المدينة، أكد جميعهم على أن الفترة الأخيرة شهدت تراجعا غير مسبوق في الحركتين التجارية والسياحية باستثناء بعض البرامج التي كانت ناجحة الى حد ما. وتبادر المقاهي والمحلات الترفيهية في وسط المدينة الى إقامة مشاريع ومبادرات فردية – دون تعاون البلدية – في محاولات شبه يائسة لاستقطاب أكبر عدد من الجمهور، وآخر هذه المبادرات إعلان أصحاب المحلات في البلدة القديمة عن فتح محلاتهم حتى الساعة التاسعة مساء في نهايات الأسبوع وخاصة يوم الجمعة، تضاف هذه المبادرات الى الدعوة لـ “مهرجان القهوة” الثاني، الذي ستشهده البلدة القديمة نهاية هذا الأسبوع والذي شهد نجاحا منقطع النظير في العام الماضي.
وتتساءل خلود أبو أحمد، وهي صاحبة شركة سياحية بديلة، في البلدة القديمة “كيف يمكن للسائح أن يتجول بحريّة وأن يشعر بالأمان في المدينة إذا كان أهل المدينة وسكانها يخشون الخروج من بيوتهم”؟!
وأضافت خلود انها أقامت الشركة السياحية لتكون رافعة اقتصادية محلية لتطوير السياحة، وإشراك السكان وتشجيعهم على أخذ دورهم في المجتمع وفي العمل الأهلي وتناقل قصصهم ورواياتهم، لكن اصطدمت بواقع صعب للغاية في ظل تراجع كبير في الحركة السياحية، ومحلات تكاد تكون فارغة تماما من الزبائن. وقالت ان الحديث عن مشاريع لإحياء البلدة القديمة والسوق دون دعم اقتصادي هو مجرد “رواية رومانسية”!
وقال صاحب محل للحلويات الشرقية في مدينة الناصرة (فضّل عدم ذكر اسمه) أن هنالك تراجع بحوالي 60% عما كان عليه في مثل هذه الفترة من العام الماضي. وأضاف ان هذه الأيام (الأعياد اليهودية) تعتبر موسما تنتعش فيه الحركة التجارية في كل عام الا انها تشهد تباطؤا غير مسبوق في الأشهر الأخيرة، ليس فقط بسبب جرائم العنف وانما هنالك العديد من الأسباب ومنها الأزمة الاقتصادية والمستقبل المجهول للأزمة التي تعصف بالبلاد والتي تشكل خطرا على مستقبل الدولة.
من جانبها وجهت مها شحادة، صاحبة مطعم ومقهى “مستكة” انتقادات لبلدية الناصرة، قائلة انها توجهت عدة مرات الى المسؤولين في البلدية من أجل دعوتهم لزيارة محلها والتباحث معهم في دور البلدية بعملية إحياء البلدة القديمة، وتوفير مراحيض عمومية للزائرين وتحسين البنى التحتية الا ان أحدا منهم لم يلبي الدعوة.
وترى مها بأن البلدة القديمة ومنطقة السوق هي الأكثر أمانا في المدينة، ولكن أهل المدينة ربما يخشون الوصول الى البلدة القديمة لذلك قمنا بمشروع فتح المحلات حتى ساعة متأخرة كل يوم جمعة.
وأعربت مها عن تشاؤمها حيال الوضع الراهن، ولكنها ما زالت تعوّل على الأشهر (فترة الأعياد الميلادية) المقبلة التي تعتبر الأكسجين الذي ينعش هذه المدينة وبلدتها القديمة، وقالت انه “إذا لم تأتي هذه الفترة بالنتائج التي نتوقعها فأعتقد بأن الكثير من المحلات التجارية والمقاهي ستغلق أبوابها”!
ويدعم هذا الحديث سامي جبالي، صاحب مقهى “ليوان” الثقافي في البلدة القديمة الذي قال “تمر علينا فترة سيئة للغاية وأيام تشبه حظر التجوال”! ووصف جبالي الحركة التجارية بأنها أصعب من فترة جائحة “كورونا” مشيرا الى أن أزمات السير والاختناقات المرورية التي “تشتهر” فيها مدينة الناصرة، قد غابت عن شوارعها التي أصبحت الشوارع شبه خالية.
وأضاف أن الشيء الوحيد الذي يثلج الصدر هو الزيارات التي يقوم بها المغتربون الفلسطينيون الذي يسمح لهم بزيارة أرض الوطن. أما عن فترة “الكريسماس” فقال جبالي انه بكل الأحوال ستشهد حركة سياحية نشطة وانتعاش.
وكان آخر المتحدثين معوز يانون، مدير بيت الضيافة “فوزي عازر” في البلدة القديمة الذي قال بأن هنالك علاقة مباشرة وملحوظة بين أحداث العنف في المجتمع العربي والسياحة الداخلية الوافدة الى مدينة الناصرة، قائلا “انها لم تنقطع تماما، ولكن بدون شك هنالك تراجع عما كانت عله في السنة الماضية والسنوات التي سبقتها”. وأشار الى انه لا يملك معطيات دقيقة لكن التراجع واضح وملحوظ.
وأضاف ان الأمر ينعكس أيضا على سكان مدينة الناصرة الذين اعتزلوا المقاهي والمطاعم ومحلات السهر في منطقة العين والشارع الرئيسي، في الفترة التي شهدت أحداث عنف، لكن الحالة تعود الى طبيعتها تدريجيا، وقال انه يتوقع وصول أعداد كبيرة من الزائرين الى المدينة للمشاركة في مهرجان القهوة الذي سيكون يوم غد السبت.
وقال يانون “نحن مقبلون على موسم الذروة وهو موسم الأعياد اليهودية والمسيحية، ونهاية موسم الصيف والاستجمام، ومن المتوقع ان تشهد مدينة الناصرة والبلدة القديمة حركة نشطة كل نهاية أسبوع، وهنالك العديد من المبادرات والبرامج والمشاريع الحيوية المدهشة التي تشهدها البلدة القديمة وتستقطب الزوار من أقصى شمال البلاد الى جنوبها، وهنالك نجاحات كبيرة لبعض هذه المشاريع”.
ودعا معوز يانون بلدية الناصرة الى تشجيع ودعم هذه المبادرات الرائعة والمميزة، التي تستقطب ليس فقط السائحين وانما أهالي المدينة أيضا، وقال ان للبلدية دور مهم في تطوير البنية التحتية للسوق وتوفير مراحيض عامة، وتنظيم حركة السير، ومنع المركبات من الدخول الى البلدة القديمة لكي لا تحدث ازدحامات في الأوقات التي تقام فيها البرامج والفعاليات، وتوفير كل حاجيات السكان المحليين من إضاءة وصيانة والحفاظ على المباني التاريخية مثل السرايا وغيرها.
ويجمع المتحدثون جميعا، ومعهم أهالي المدينة على أن في السوق والبلدة القديمة طاقات سياحية هائلة فيما لو تم تنظيمها واستغلالها بالشكل اللائق.