الدكتور يوسف جبارين: نجاح الحكومة بتمرير خطة وزير القضاء يحدث تغييرا جوهريا في طبيعة نظام الحكم

* التعديل الجديد سيصعب أكثر على تعيين قضاة من المجتمع العربي!
* نلمس خطرا جديا في أسعار الخدمات الأساسية، وهذا ما سيلمسه بالتحديد المواطنون العرب، الذين يعانون من نسبة فقر عالية.
صادقت الكنيست، أمس الخميس، على قانون تعديل تركيبة لجنة اختيار القضاة، وذلك بأغلبية 67 صوتًا مقابل معارضة صوت واحد، بينما انسحب أعضاء المعارضة من الجلسة احتجاجًا ومقاطعين التصويت النهائي.
وفور المصادقة على القانون الأول، تم تقديم طعون قانونية ضده للمحكمة العليا. واعتبرت جمعية حقوق المواطن أن التعديلات تمنح الحكومة نفوذًا غير مسبوقة في تعيين القضاة، ما يسمح بتمرير تعيينات سياسية.
كما صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الثانية والثالثة، الثلاثاء الماضي، على اقتراح قانون الموازنة للسنة المالية 2025. وأيد الاقتراح 66 عضو كنيست فيما عارضه 52 عضو كنيست.
للحديث حول تلك التطورات التقت “الصنارة” بالنائب السابق في الكنيست والمحاضر الجامعي في القانون، الدكتور يوسف جبارين.
الصنارة: لماذا يعتبر اقرار تعديل تركيبة لجنة تعيين القضاة خطر على الديمقراطية، رغم أن التغييرات التي تمت ليست كبيرة عما هو موجود حاليا؟
د. جبارين: تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، من المواضيع المركزية التي طرحها وزير القضاء، ضمن مشروعه لتغيير النظام القضائي والقانوني في اسرائيل.
الهدف الأساسي من القانون عمليا، هو السيطرة على عملية تعيين القضاة بحيث يكون للحكومة تأثير جدي وحاسم على القضاة الذين سيتم تعيينهم. صحيح أن القانون يختلف عن الطرح الأول للوزير، لكنه بلا شك يمنح الأحزاب وبالأساس الائتلاف، التاثير على من سيتم اختياره، والتعديل يلغي التأثير الكبير الذي كان للقضاة أنفسهم ولنقابة المحامين.
تعيين القضاة لم يكن يتم دون موافقة قضاة العليا، والديناميكية في اللجنة اعتمدت على أغلبية للمهنيين داخل اللجنة، الذين يشكلون 5 من 9، وهذه الأغلبية لم تعد موجودة والثقل بات سياسيا داخل اللجنة. تركيبة اللجنة الحالية ضمنت نوعا من الاستقلالية لسيرورة تعيين القضاة، وفصل ذلك عن الاعتبارات السياسية لدى الحكومة، بينما التعديل الجديد يغير التوازن لصالح الحكومة بشكل واضح، وهو مس جوهري بفكرة فصل السلطات والتعيينات ستتم على أساس سياسي، والخطورة أنه سيؤثر على مضامين قرارات القضاة، وبالتالي فان القاضي سيأخذ بعين الاعتبار كيف سيتم التعامل مع القرار في أروقة الحكومة، وسيعمل على مراضاة الأحزاب والائتلاف الحكومي مما سيمس بمهنية وموضوعية الاعتبارات القضائية.
نجاح قانون القضاة، يشكل خطرا جديا في الانقلاب القضائي بقيادة اليمين، وهو جزء من مشروعه في تثبيت سلطته في السنوات القريبة. كما يخدم أجندات شخصية في ظل المحاكمات والتحقيقات التي يواجهها نتنياهو. نجاح الحكومة بتمرير خطة وزير القضاء، سيحدث تغييرا جوهريا في طبيعة نظام الحكم، ان لم يكن بشكل رسمي، سيشكل ترجمة فعلية في سياسات الحكومة عامة وتجاه العرب خاصة.
الصنارة: كما هو معروف فإن العمل بالقانون الجديد، سيتم بعد الانتخابات القادمة أي في الكنيست القادمة. ماذا يمكن للمعارضة أن تفعل بعد خسارتها في هذه الجولة، استعدادا للانتخابات القادمة؟
د. جبارين: إن التعديل الذي سيسري مفعوله اعتبارا من الكنيست القادمة، سيمس بمبدأ فصل السلطات وسيغير التوازن لصالح الحكومة، وخطورته في التأثير على مضامين قرارات القضاة.
الأحزاب المعارضة أعلنت أنها ستعمل على الغاء التعديل، اذا ما تشكلت تركيبة كنيست مختلفة وتركيبة ائتلاف حكومي مختلفة، مع أغلبية تشمل أحزاب المعارضة اليوم، بحيث سيفتح المجال أمام تغيير هذا القانون قبل دخوله الى حيز التنفيذ. نحن نعلم من تجربتنا السياسية أنه من الصعب ادخال تعديلات على القانون بعد تثبيته وتشريعه، من الناحية الأخرى يقول الوزير أنه لن يعين قضاة في هذه الفترة، وبالتالي فهو لن يعتمد على القانون الحالي، ويفضل تأجيل سريان مفعوله للكنيست القادمة. لأن الوزير يراهن على الائتلاف الحكومي، بأنه سيعود في المرحلة القادمة بعد الانتخابات، وعندها سيعين القضاة حسب التركيبة الجديدة بتأثير الحكومة والائتلاف.
مهم أن نوضح أن تأثير المحامين والقضاة العرب سيتراجع، فنسبتهم لا تزال بعيدة عن المساواة، وتبلغ 10% أي نصف النسبة العامة للمواطنين العرب في الدولة، والتعديل الجديد سيصعب أكثر على تعيين قضاة من المجتمع العربي، وهذا أحد أهداف وزير القضاء بتقليص مساحة التأثير للمحامين العرب التي كانت لهم من خلال نقابة المحامين.
الصنارة: ظهر دور الأحزاب العربية هامشيا في هذه المسألة، وبدت تابعة للأحزاب الصهيونية المعارضة، أين دورها الاستقلالي ولماذا لم يبرز في هذه القضية؟
د. جبارين: دور الأحزاب العربية مستقل. المفارقة أنه في المجتمع العربي لدينا خيبة أمل كبيرة جدا من دور محكمة العدل العليا والجهاز القضائي، في قضايا تتعلق بالمجتمع العربي، ورأينا أن المحكمة العليا لم توفر الحماية القانونية المرجوة منها، عندما التمسنا لها في قضايا أساسية (مصادرة، هدم بيوت، لم الشمل، العنصرية وغيرها). رغم خيبة الأمل يبقى من المهم الحفاظ على القليل الموجود من حيث الاستقلالية الجزئية لجهاز القضاء. هذه التعديلات تؤدي الى قرارات سيئة أكثر وتراجع المحكمة عن دورها في حماية حقوق الانسان. موقف الأحزاب موقف مهني ضد التعديلات لأنها تزيد الطين بلة، من حيث مكانة القضاء وعلاقته مع المجتمع العربي.
أما الأحزاب الصهيونية المعارضة، عمليا منذ الانتخابات الأخيرة تعمل بازدواجية واضحة، من ناحية تعارض الحكومة بادعاءات ديمقراطية وحجة فصل السلطات، لكنها من ناحية أخرى تقوم باقصاء الأحزاب التي تمثل المجتمع العربي، وبالتالي اقصاء المواطنين العرب. إنهم يتحدثون عن الديمقراطية لكنهم يتغافلون عن المبدأ الأساسي في الديمقراطية وهو المساواة. هذه ازدواجية مرفوضة وتعود الى ضعف أحزاب اليسار – المركز الصهيوني. ما يميز خطابها في السنوات الأخيرة هو النفاق، وينطبق مع انعدام طرح معارض حقيقي للائتلاف اليميني الموجود اليوم.
ميزانية عسكرة
تضرب الشرائح المجتمعية الضعيفة!
الصنارة: لقد أقرت الكنيست ميزانية الدولة بأغلبية واضحة، ما هي أهم النقاط التي تمس بمواطني الدولة عامة والعرب خاصة؟
د. جبارين: لا شك أنها ميزانية عسكرة وتضرب الشرائح المجتمعية الضعيفة. هذا التوجه يواصل رغبة الحكومة في استمرار الحرب، واتساع الأعمال العسكرية من قبلها. الجانب المتعلق بغلاء المعيشة يميز حكومات اليمين، لكن اليوم نلمس خطرا جديا في أسعار الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل أسعار المياه والكهرباء ورفع قيمة الضريبة المضافة، وهذا ما سيلمسه كل المواطنين وبالتحديد المواطنين العرب، الذين يعانون من نسبة فقر عالية.
هناك غياب ميزانيات خاصة بالمجتمع العربي، بل هناك حديث عن تجميد ميزانيات مرصودة، كما أعلنت وزيرة المساواة الاجتماعية، الوزيرة العنصرية ماي غولان بأنها لن تحول ميزانيات للبلدات العربية.