
*إلى أهلي في بلدي*
*د.سمير صبحي – رئيس بلدية ام الفحم – الدنمارك*
في إطار سعينا المستمر لتطوير الحكم المحلي في بلداتنا ومدننا، شاركتُ مؤخرًا في بعثة دراسية إلى الدنمارك، ضمن مجموعة من رؤساء البلديات، رؤساء المجالس المحلية والإقليمية، مديرين عامين سابقين لمؤسسات حكومية، وممثلي جمعيات مدنية. الهدف الأساسي من البعثة كان دراسة النموذج الدنماركي في نقل الصلاحيات من الحكم المركزي إلى الحكم المحلي، والوقوف على نجاحاته وتحدياته.
*النموذج الدنماركي: استقلالية، ثقة ومسؤولية*
الدنمارك تتمتع بتاريخ طويل من الحكم المحلي القوي، إذ يعود الاعتراف الدستوري به إلى منتصف القرن التاسع عشر. يتميّز النموذج الدنماركي بمنح صلاحيات واسعة للحكم المحلي في مجالات متعددة مثل التعليم، التشغيل، البنية التحتية، والخدمات الاجتماعية.
أحد المحاور المركزية في النظام الدنماركي هو إصلاح 2007، والذي عزّز استقلالية البلديات من خلال دمج العديد من السلطات المحلية ورفع الحد الأدنى لعدد السكان في كل بلدية. هذا الإصلاح مكّن البلديات من تحسين الخدمات، تنظيم مواردها بكفاءة، وتقديم حلول محلية تناسب احتياجات كل منطقة.
*الثقة والشفافية كأساس للحكم المحلي*
ما يلفت النظر في الدنمارك هو مستوى الثقة العالي بين الحكومة المركزية، السلطات المحلية، والمواطنين. يتم التعبير عن ذلك من خلال:
•الميزانيات التفاوضية: يتم الاتفاق سنويًا على ميزانيات السلطات المحلية من خلال مفاوضات مؤسسية مع الحكومة المركزية، مما يمنح الحكم المحلي استقرارًا ماليًا واضحًا.
•استقلالية في تحديد الأولويات: تمتلك البلديات صلاحيات واسعة في تخصيص مواردها، ما يسمح لها بالتركيز على احتياجات المجتمع المحلي وفقًا لرؤية تنموية متكاملة.
•إدارة الخدمات الاجتماعية والتعليمية محليًا: البلديات مسؤولة عن إدارة نظام التعليم بالكامل، بما في ذلك تحديد المناهج الدراسية، تشغيل المدارس، وضمان جودة التعليم.
•نظام تشغيل مبتكر (Flexicurity): تعتمد الدنمارك على نموذج يجمع بين الأمان الوظيفي والمرونة في سوق العمل، حيث تتحمل البلديات مسؤولية دمج العاطلين عن العمل في السوق وتقديم برامج تدريب وتأهيل فعالة.
*زيارات ميدانية واستنتاجات*
خلال البعثة، زرنا العديد من البلديات والمؤسسات المحلية، منها مدارس ومؤسسات تشغيل، بالإضافة إلى مركز الحكم المحلي الدنماركي (KL)، حيث أجرينا لقاءات مع مسؤولين بارزين. من أبرز الاستنتاجات التي خرجنا بها:
•تحفيز العمل المحلي: الحكم المحلي في الدنمارك يتمتع باستقلالية حقيقية في تحديد وتنفيذ السياسات، مما يعزز الابتكار والاستجابة السريعة لاحتياجات السكان.
•نظام صحي واجتماعي متكامل: السلطات المحلية مسؤولة عن الخدمات الصحية الأولية، مراكز إعادة التأهيل، الرعاية الصحية لكبار السن، ومراكز رعاية الأطفال، مما يعزز منظومة رفاه اجتماعي متينة تعتمد على القرب من المواطن.
•توزيع مسؤوليات مدروس: تعتمد الدنمارك على نموذج واضح لتوزيع المسؤوليات بين الحكم المحلي، الإقليمي، والمركزي، مما يمنع التداخل البيروقراطي ويضمن الكفاءة في تقديم الخدمات.
•مشاركة مجتمعية فعالة: المواطنون الدنماركيون يشاركون بشكل نشط في رسم السياسات المحلية، حيث توجد قنوات رسمية للتواصل مع السكان، واستشارات عامة حول القضايا المحلية المهمة.
•دور مركزي للمجالس المحلية: يتم انتخاب المجالس المحلية لفترة أربع سنوات، وهي مسؤولة عن وضع الخطط الاستراتيجية وإدارة السياسات المحلية، دون تدخل مباشر من الحكومة المركزية.
*ماذا عنا؟*
من واقع عملنا في السلطات المحلية، نحن ندرك التحديات التي يواجهها الحكم المحلي في البلاد، من مركزية القرارات إلى ضعف الاستقلالية المالية والإدارية. ومع ذلك، فإن الدروس المستفادة من النموذج الدنماركي تقدم لنا فرصة لإحداث تغيير جوهري.
إننا بحاجة إلى إعادة التفكير في العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، بحيث تتحول السلطات المحلية إلى جهات قادرة على إدارة شؤونها بشكل مستقل، مع مساءلة حقيقية أمام مواطنيها. كما أن تعزيز الثقة المتبادلة بين المواطن والسلطة المحلية يجب أن يكون في صلب أي إصلاح مستقبلي.
ختامًا، نحن أمام فرصة لإطلاق حراك حقيقي نحو تغيير الواقع في البلاد، بحيث يصبح الحكم المحلي ركيزة أساسية للتنمية والازدهار. لا بد أن نبدأ بخطوات عملية نحو نقل الصلاحيات، تعزيز الموارد المحلية، وإرساء ثقافة المشاركة المجتمعية، على أمل أن نصل إلى نموذج أكثر تطورًا وعدالة لجميع مواطنينا.
*ختامه مسك*
أختم بالشكر الجزيل للسيد حسني عبدالهادي أبو بلال، المغترب من مجد الكروم،وطاقم المطعم الذي يملكه في كوبنهاجن على حسن الضيافة والحفاوة والاستقبال خلال تواجدنا في الدنمارك وتقديم وجبة إفطار طوال فترة تواجدنا. بارك الله فيكم وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
*عيدكم مبارك*
بعد غدٍ الأحد او الاثنين نحن على موعد مع عيد الفطر المبارك، بعد صيام شهر رمضان، بهذه المناسبة أتقدّم إلى أهلنا في ام الفحم وعموم المسلمين في هذه الديار بأجمل التهاني وأحلى الأمنيات والمباركات. سائلًا المولى عز وجل أن يعيده علينا جميعًا بالخير واليمن والبركات، وأن يبدّل حالنا إلى حالٍ أفضل وأحسن مما نحن فيه، ننعم بالأمن والأمان والسلامة والسلام. تقبل الله منا ومنكم الطاعات وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية.
وبهذه المناسبة نعلم المواطنين الكرام في مدينة ام الفحم أن مكاتب البلدية ستكون مغلقة أمام استقبال الجمهور خلال عطلة العيد حتى مساء يوم الخميس الموافق 3.4.2025.