استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية: نمط سلوكي ثابت للجنود في غزة
كشفت صحيفة “هآرتس”، اليوم الثلاثاء، استخدام الجيش الإسرائيلي لمواطنين فلسطينيين كدروع بشرية في عملياته العسكرية داخل قطاع غزة، وذلك في تقرير يستند إلى شهادات جنود وضباط خدموا في صفوف الجيش الإسرائيلي في إطار الحرب التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأظهر التقرير نمطا ثابتا في سلوك الجيش الإسرائيلي باستغلال المدنيين، الذين يتم تجنيدهم قسرًا. ووفقًا لشهادات متعددة، يقوم الجيش بتحديد المدنيين الفلسطينيين، الذين قد يكونوا من كبار السن أو المراهقين، واستخدامهم في مهام خطرة مثل دخول المنازل والمباني المشبوهة، أو تفتيش الأنفاق، وذلك لحماية جنوده من الكمائن أو العبوات الناسفة.
وأكد التقرير أن ذلك يحدث بعلم القيادات العليا في الجيش الإسرائيلي، بمن فيهم قادة الألوية وصولا لهيئة الأركان العامة، ويُجبر “المجندون” على ارتداء زي الجيش الإسرائيلي، ويزودون بكاميرات لتوثيق تحركاتهم. وأشار التقرير إلى أن هذه الممارسات ليست جديدة، بل هي امتداد لإجراءات مشابهة استخدمها الجيش الإسرائيلي في الماضي.
ورغم قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية التي حكمت بعدم قانونية هذه الأساليب، ينتشر هذا النمط من السلوك في صفوف الجيش الإسرائيلي ويترجم إلى ممارسات ممنهجة خلال عملياته في أنحاء غزة، في ظل تكرار هذه الانتهاكات على مر السنين، مما ينفي مزاعم الجيش الإسرائيلي بالتزامه بالقانون الدولي والإنساني في عملياته العسكرية في الأراضي المحتلة.
وعن الأشخاص الذين تستخدمهم قوات الاحتلال كدروع بشرية في غزة، قالت الصحيفة إنه “في البداية، من الصعب التعرف عليهم. هم عادةً في العشرينات من العمر، محاطون دائمًا بجنود برتب مختلفة، ويرتدون في الغالب زي الجيش الإسرائيلي. ولكن عند التركيز على تفاصيلهم، يُلاحظ أنهم لا يرتدون أحذية عسكرية بل أحذية رياضية، وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم، ووجوههم تعكس الخوف”.
ووفقا للصحيفة، فإن جنود وضباط الجيش الإسرائيلي يطلقون على هؤلاء الفلسطينيين تسمية “شاويشيم” (جمع لكلمة شاويش)، وقالت: “يتم تجنيدهم دون أن يكون لهم أي حق في الاختيار في وحدات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بهدف وحيد: أن يكونوا دروعًا بشرية للجنود في عملياتهم”.
ونقلت الصحيفة عن جنود قولهم: “قالوا إن حياتنا أهم من حياتهم”، وأنه “في النهاية، من الأفضل أن يبقى جنودنا أحياء، وأن يتفجروا هم بالعبوات الناسفة”؛ وبحسب الشهادات التي حصلت عليها “هآرتس”، فإن هذه الممارسات تحدث في جميع أنحاء قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة، بعلم كبار الضباط، وصولًا إلى مكتب رئيس الأركان.
وأضافت “يتكرر هذا السيناريو مرارًا وتكرارًا: يقوم الجنود بتحديد المواطنين الغزيين ‘المناسبين‘ لهذه المهام، ويتم إحضارهم إلى الوحدات والكتائب العاملة في القطاع؛ ونقلت الصحيفة عن جندي يشارك في عملية “اختيار” الدروع البشرية من الفلسطينيين، قوله “نشعر بنوع من الفخر في ما نفعله”.
وقال أحد المصادر إن “القيادات العليا تعلم بذلك”، ومع ذلك، لم تمنع هذه المعرفة الجيش من ادعاء البراءة عندما نُشر توثيق قبل نحو شهرين على قناة الجزيرة، يظهر جنود الجيش الإسرائيلي وهم يُلبسون معتقلين فلسطينيين بزّات وسترات واقية، ويربطون لهم كاميرات، ويرسلونهم إلى منازل مدمرة ومداخل الأنفاق، وكل ذلك بأيدي مكبلة بالأصفاد.
وأثار هذا التوثيق غضب الإدارة الأميركية، ولكن وفقًا لما ذكره نائب المتحدث باسم الخارجية، فيدانت باتل، الذي علق على التقرير: “قالت إسرائيل والجيش الإسرائيلي إنهم يحققون في هذه الحوادث، وأن ما حدث في هذه الفيديوهات لا يعكس قيمهم ويعد انتهاكًا للأوامر والإجراءات”.
ونقلت الصحيفة عن جندي من لواء نظامي شارك في استخدام الغزيين كدروع بشرية، أنه “في الجيش الإسرائيلي يعرفون أنه ليس حدثًا منفردًا من قائد سرية شاب وغبي يقرر التصرف بمفرده”.
وأظهرت المحادثات التي أجرتها صحيفة “هآرتس” مع جنود وقادة في الجيش الإسرائيلي أن الفلسطينيين الذين يشتخدمون كدروع بشرية غالبًا ما يكونون رجالًا كبار السن. ومع ذلك، هناك شهادات تشير إلى استخدام مراهقين أو مسنين في بعض الحالات (“في بعض الأحيان كان يتم إجبار المسنين على دخول المنازل”، وفقًا لما رواه جندي في إحدى القوات). وتعتبر معرفة اللغة العبرية ميزة للجيش الإسرائيلي، حيث يُطلب منهم أن يقدموا تقارير للقوات الموجودة في الخارج.
وأوضحت الصحيفة أن “استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية لم يولد في الحرب الحالية. ففي عملية ‘الدرع الواقي‘ (التي شنها جيش الاحتلال على الصفة الغربية المحتلة خلال أحداث الانتفاضة الثانية وتخجيجا في آذار/ مارس) عام 2002، كانت هذه ممارسة شائعة في الجيش، عُرفت بشكل أساسي باسم ‘إجراء الجار‘ الذي يتمثل باستخدام الجنود للسكان المدنيين في الضفة الغربية لتمشيط المنازل خشية أن تكون ملغومة، أو دخول الفلسطينيين إلى المنازل قبل قوات الجيش للبحث عن مطلوبين”.
وبعد أن تزايدت القصص والتقارير عن هذا النمط من الممارسات والسلوك، قدمت منظمات حقوقية التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية. وقضت المحكمة في عام 2005 بأن هذا الإجراء ينتهك قواعد القانون الدولي وهو غير قانوني. وأمر رئيس الأركان آنذاك، دان حالوتس، الجيش بتنفيذ قرار المحكمة بالكامل.