أخبار

كيف بددت عمليات المقاومة أوهام الجنرالات شمال غزة؟

تتسارع التصريحات التي يكشفها جيش الاحتلال الإسرائيلي عن خسائره وعدد قتلاه والمصابين، خصوصا في منطقة شمال قطاع غزة، جراء العمليات العسكرية النوعية التي نفذها مقاتلو المقاومة خلال الأيام 102 ردا على ما يسمونه “خطة الجنرالات”.

وقلبت عمليات المقاومة -وفي مقدمتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس– الطاولة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركائه في اليمين المتطرف الذي يقود حرب إبادة وتهجير في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر.

وهدف نتنياهو إلى إحداث ضغط تفاوضي وتغيير الوقائع على الأرض لاختلاق مشهد ميداني يُمكنه من الذهاب إلى مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مستندا إلى إنجاز عسكري على الأرض، من خلال التنفيذ الصارم لخطة الجنرالات في مناطق جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا شمالي القطاع.

ولكن عمليات المقاومة النوعية الأخيرة شمال القطاع وتحكمها في مجريات الأحداث أفشل مخططات نتنياهو، ونقلت رسائل للداخل الإسرائيلي مفادها أنه لن يكون هناك تحرير للأسرى الإسرائيليين دون الخضوع لشروط المقاومة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن ما يقوم به قادة الاحتلال تنفيذاً لخطة الجنرالات شمال غزة ليس سوى استثمار لمسرح عمليات عسكري لخدمة أجندات سياسية داخلية، حيث يحاول نتنياهو تهدئة غضب المستوطنين وإظهار أن كفة الاحتلال ما زالت راجحة.

استنزاف المقاومة
يقول عفيفة -في حديثه للجزيرة نت- إن هذه الخطة كانت تعتمد على استنزاف المقاومة من جهة، وإيجاد مشهد ميداني يُمكّنهم من الذهاب إلى المفاوضات مستندين إلى إنجازات عسكرية على الأرض، إلا أن هذه الإستراتيجية تتهاوى أمام صمود المقاومة وتنوع تكتيكاتها، والتي تمكنت من تعطيل مشروع الاحتلال وتحويله إلى استنزاف طويل الأمد.
وعن قدرة المقاومة الفلسطينية على التحكم في مجريات الأحداث شمال القطاع رغم طوال فترة العدوان، قال عفيفة إن المقاومة أجادت قراءة الميدان واستطاعت أن تنتزع زمام المبادرة من خلال الكمائن النوعية والهجمات خلف خطوط الاحتلال، وكذلك إحكام السيطرة على مساحات محددة.

وأضاف أن هذا التحول خلّف حالة من الفوضى داخل صفوف جيش الاحتلال الذي كان يعتمد على تفوقه الجوي والاستخباراتي، لكنه وجد نفسه غارقًا في حرب شوارع تستنزف جنوده وتعيد رسم قواعد الاشتباك، وأصبحت المقاومة ليس فقط لاعبا دفاعيا بل أصبحت لاعبا مبادرا يعيد توجيه مسار هذه الحرب المفروضة عليه.

ومنذ بداية اجتياح شمالي قطاع غزة في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن الاحتلال عن مقتل 50 ضابطا وجنديا إسرائيليًا وإصابة العشرات.

كما أفادت مصادر بأن المقاومة الفلسطينية تمكنت من تدمير ما يقارب 40 دبابة و27 جرافة وأكثر من 21 ناقلة جند منذ بدء العمليات العسكرية. وبسبب الخسائر الفادحة، انسحب لواء كفير التابع لجيش الاحتلال من شمالي القطاع بعد شهرين من القتال في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، حيث تكبد خلال هذه الفترة 13 قتيلا.

وقد ظهر أن التناقض بين الدعاية التي ينشرها نتنياهو وشركاؤه -حول تدمير قدرات المقاومة وإنهاء وجودها، وما بين الواقع الذي تشهد عليه عمليات المقاومة شمال القطاع- يدمر مصداقية القيادة الإسرائيلية ويزيد من حالة الغليان الداخلي.

فرض أجندة المقاومة
أكدت العمليات العسكرية للمقاومة -في الشمال- على أنها قادرة على فرض أجندتها حتى في أصعب الظروف، وكسر أهداف الحرب المعلنة التي تشمل القضاء على قدراتها وإضعافها، كما أظهرت العمليات فشل الاحتلال في تحقيق توازن الردع، وأبرزت هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعمقت الانقسامات حول جدوى الحرب واستمراريتها، وأبدت العجز الذي يواجهه نتنياهو وشركاؤه عن الوفاء بوعودهم، مما يضع مستقبلهم السياسي في مهب الريح.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي فايد أبو شمالة أنه يمكن وصف عملية شمال قطاع غزة بأفشل العمليات العسكرية التي نفذها الاحتلال، منذ بداية طوفان الأقصى، لأنها جاءت مدفوعة بتبريرات غير منطقية، واستجابت لأصوات المتطرفين، سواء من الجنرالات أو غلاة المستوطنين.

وقال أبو شمالة إن هذه العملية اصطدمت منذ بدايتها وحتى اليوم بعقبات كبيرة، ومفاجآت متتابعة، سواء من كتائب المقاومة التي تصدت بخطط دفاعية، وكمائن قاتلة للقوات الغازية، أو بصمود أسطوري للمواطنين الذين رفضوا المغادرة وقرروا البقاء حتى آخر نفس.

أما في بيت حانون، فقد كان الفشل الإسرائيلي مركباً حيث أجبر الاحتلال السكان على المغادرة ويبدو أن ذلك قد منح المقاومة فرصة للعمل بحرية أكثر فكانت العمليات النوعية المتتابعة الأيام الأخيرة حاملة معها رسائل أن المقاومة لم تنهزم، وأنها قادرة على التجدد في كل مكان، وكان لذلك أثره على المفاوضات للوصول إلى صفقة تبادل.

مفاوضات تحت النار
نجحت المقاومة في قلب مجريات الأحداث ميدانيًا بغزة، وداخل أروقة التفاوض، حيث أثبت أنها قادرة على التفاوض تحت النار، لدعم موقف المفاوض الفلسطيني، للتشبث بالمطالب العادلة لإنهاء الحرب.

ويشير تقرير مراسل القناة 13 الإسرائيلية الموغ بوكير -الذي نقل شهادات الجنود من بيت حانون شمال غزة- إلى أنهم كانوا يقاتلون في بيئة مراقبة بالكاميرات من قبل المسلحين الذين زرعوا عبوات ناسفة في كل زقاق وكانوا يفعّلونها من داخل الأنفاق التي كانت فعالة بكامل طاقتها.

وتقول شهادات الجنود الإسرائيليين إنهم لم يكونوا يروا مقاتلين بالعين المجردة منذ أسبوع ونصف الأسبوع، ولا يوجد أي تحديد مباشر للمسلحين، فقد زرعوا بيت حانون بالكامل بكمية هائلة من العبوات الناسفة ومخلفات قنابل سلاح الجو الإسرائيلية، وكان كل زقاق كل تقاطع مليئا بأحدث الكاميرات الحرارية التي تغطي 360 درجة.

وذكر هؤلاء الجنود أن المقاومين كانوا يختارون الأهداف بدقة، ويرصدون الحركة عبر الكاميرات، فإذا كان هناك طائرة مسيرة لا يفعّلون العبوات، أما إذا كان هناك قوة عسكرية يتم تفعيلها. وبمجرد الإعلان عن وصول فرق الإنقاذ، يخرجون لإطلاق النار على هذه القوات.

ويرى المختص بالشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي أن هذا الواقع انعكس جلياً في تراجع نتنياهو عن تذبذبه المتواصل للتوصل إلى صفقة، ودفعه للتنازل والموافقة على شروط المقاومة.

وحذر عبد الهادي من بقاء أهداف نتنياهو الخبيثة تلوح بالأفق، لا سيما وأنه محاط بائتلاف حكومي متطرف ومدعوم دوليا وأميركيًا، رغم أنه مهدد بمحاكمات داخلية ودولية، ولذلك سيحاول تنفيذ أهداف الحرب خصوصا المتعلقة بحكم حماس في اليوم التالي.

وأشار إلى أن نتنياهو لا يخطو خطوة بدون محاولة جمع الغنائم “نعم هو مدرك الآن أنه لم يتمكن من وضع رأس حماس على الطاولة وأن جيشه فقد ما يزيد على 800 قتيل والتسريبات تتحدث عن 20 ألف جريح منذ بداية الحرب، لذا فهو جيش مرهق ومتعب. وتتكثف التقارير مؤخراً عن صحة أفراده النفسية والذهنية، وقد سارع إلى وضع خطط الانسحاب المختلفة من غزة ومحاورها على الطاولة.

ولكن هذا لا يعني قبول نتنياهو بوقف الحرب. فائتلافه من اليمين المتطرف يتغذى على الحرب وهي وقود لاستمراره متصدراً المشهد في كيان يعاني أزمة وجود وتعريف وهوية، ولا أحد يملك فيها إجابات عن المستقبل سوى الصهيونية الدينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى