
شهدت مدينة أم الفحم، كما المجتمع العربي، في الأسبوعين الأخيرين موجةً جديدةً من العنف، بمقتل أربعة شبان، تركت بصماتها المؤلمة وآثارها الحزينة على أهالي المدينة، وأثارت موجةً من التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء ذلك، المسؤوليات، وسبل المواجهة والعلاج. لا شكّ أنّ ما يجري يستدعي وقفةً جادةً، نقدًا للذات ومراجعة حساب، وفي نفس الوقت مطالبة بالتحرّك الجاد من قبل كل الأطراف الفاعلة وذات الشأن والصلة، بدءًا من المجتمع نفسه، مرورًا بالشرطة والحكومة وانتهاءً بالسلطات المحلية.
*المجتمع: أين نحن من التربية وقيم التسامح والصفح والعفو؟*
لا يمكننا تجاهل أنّ القيم والمعايير التي نزرعها في بيوتنا، مساجدنا، مدارسنا، مؤسساتنا، وشوارعنا تنعكس نهايةً على سلوك شبابنا وتصرفاتهم، فنحن نحصد ما نزرع، هل نربي أبناءَنا على قيم التسامح والصفح والعفو وحبّ الآخر والعمل المشترك للنجاح والتعاون وحلّ الخلافات والنزاعات بالحوار؟ أم أننا أصبحنا نتقبّلُ العنفَ والصدام كجزء من حياتنا اليومية وحلّ مشكلاتنا؟ إنّ مسؤوليةَ الأهل والمربين كبيرة في ترسيخ منظومة تربوية صحيحة ترفض العنف وتؤسس لمجتمع أكثر وعيًا وقدرة على التعامل مع النزاعات بطرق سليمة وسلميّة.
*الشرطة: فقدان الثقة أم تقاعس متعمد؟*
لطالما وُجهت اتهامات للشرطة بعدم التعامل الجادّ مع الجريمة في المجتمع العربي، وهذه حقيقة وليست محلّ نقاش، والواقع يشهد بذلك على مدار عشرات السنين، كيف يتمّ التعامل مع الجريمة في المجتمع اليهودي مقارنةً بالتعامل مع الجريمة في المجتمع العربي!! فنحن لسنا بأولوياتها في محاربة العنف، ورأينا من كان يقف على رأس هذا الهرم، يفخر بعدائه للعرب، ويسخّر مئات أفراد الشرطة لهدم بيت، او لاعتقال فتى عبّر عن رأيه على صفحات الشبكات الاجتماعية. في الوقت ذاته، الحلّ يتطلب بناء جسور من الثقة من خلال التزام الشرطة وقيامها بواجبها في فرض الأمن بشكل عادل ومتساوٍ وخطوات جادّة على أرض الواقع للكشف عن الجرائم وردع العنف ووقف حمام الدماء.
*الحكومة: مسؤولية تتطلب أفعالًا لا أقوالًا*
الحكومة تتحمل المسؤولية المباشرة في معالجة الجريمة، ليس فقط من خلال محاربة الجريمة المنظّمة، ولكن عبر تحسين الظروف المعيشية لنا كمجتمع عربي، من خلال توفير فرص عمل لشبابنا، توسيع الخرائط الهيكلية للبلدات العربية ومسطحاتها، إيجاد حلول عملية لضائقة السكن، إقرار مناطق صناعية واسعة المساحة، بناء مستشفيات ومؤسسات حكومية ورسمية وخدماتية وأكاديمية للمجتمع العربي، شبكة مواصلات داخلية واسعة للبلدات العربية، دعم المبادرات التربوية وغيرها. حتى الآن، لم نرَ سياسات جادة وشاملة تعالج جذور الأزمة، مما يجعل الحاجة إلى ضغط سياسي ومجتمعي أمرًا ضروريًا. فكم هي القرارات الحكومية الخاصة بالمجتمع العربي، لكنها بكل أسف يتم تقليص ميزانياتها او تجمّد بادعاء الحرب، مثل قرار حكومي 550 وقرار حكومي 549.
*البلدية: بين الجهود الجبارة والتحديّات الصعبة*
الكل يعلم ويشهد أنّ بلدية أم الفحم بكافة أقسامها تعمل ليلَ نهار لمكافحة ومحاربة العنف في ظلّ نقص كبير في الموارد المالية والبشرية، وهناك خطة عمل استراتيجية وضعتها البلدية بالشراكة مع كافة اقسام البلدية ذات الصلة، وبالتعاون والشراكة مع مؤسسات اكاديمية ومختصين وخبراء بهذا المجال. والسؤال هو: هل هناك استثمار كافٍ في المشاريع والبرامج الوقائية والتربوية التي تحصّن المجتمع من الانزلاق في دوامة العنف؟ الجواب طبعًا لا، غير كافٍ، ولسنا راضين عن الجهود والعمل، وذلك نتيجةً لشحّ الميزانيات المرصودة من قبل الوزارات المختلفة في هذا الجانب، مقابل ذلك علينا دعم هذه الجهود وتعزيزها في اقسام البلدية المختلفة وتمكينها من لعب دورها بشكل أكثر فاعلية، وضرورة تضافر الجهود كافة حتى ننجح معًا وسويًّا.
*مؤسسات المجتمع المدني: ضرورة التنسيق بدلًا من الجهود الفردية*
بلا شك هناك العديد من المبادرات المجتمعية ومؤسسات المجتمع المدني التي تعمل وتهدف لمحاربة العنف، لكنها تفتقر إلى التنسيق والتشبيك والتكامل فيما بينها. المطلوب هو توحيد هذه الجهود بين جميع الجهات الفاعلة على الساحة، من جمعيات مجتمع مدني، أئمة وخطباء مساجد، تربويين، إعلاميين، رجال إصلاح، حتى يتمكنوا من تشكيل جبهة موحّدة قادرة على إحداث تغيير حقيقي. وهذا هو المقام لنشكرَ لجانَ إفشاء السلام، والتي تم حظرها من قبل الحكومة، على جهودها في رأب الصدع وحل النزاعات الكثيرة والتي كان لهم دور كبير فيها.
*نحو مستقبل أكثر أمنًا وأمانًا: الحل بأيدينا*
إنّ مواجهة العنف في أم الفحم والمجتمع العربي ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية تحتاج إلى تكاتف جميع الأطراف. علينا أن ننتقد أنفسنا ونراجع خطواتنا ونضعها في الميزان الصحيح، لكن دون أن نفقد الأمل أو نلقي باللوم فقط على الآخرين. الحل يبدأ بتعزيز قيم التسامح، دعم البلدية في خطواتها، الضغط على الحكومة والشرطة لتحمّل مسؤولياتها، تعزيز التنسيق بين المؤسسات الفاعلة. فهل نحن مستعدون لأخذ زمام المبادرة، بدلًا من انتظار الحلّ من الخارج؟
نحن لن نيأس ولن نستسلم في ظلّ الواقع المرير الذي نعيشه. ففي المحنة تكمن المنحة، وفي الألم يكمن الأمل، وفي العسر يكمن اليسر، وفي الشدّة يكمن الفرج، ومهما اشتد الظلام، فإنّ نورَ الفَجرِ والفَرجِ قريب. فمجتمعنا يزخر بالخير الكثير، وفيه من الطاقات والكفاءات والقدرات ما يكفي لبناء دولة وقيادة أمة، ونحن مشروع حياة، سنظل نبني ونعمّر ونشيّد لجيل المستقبل.
وبهذه المناسبة فإننا ندعو أهلنا للمشاركة غدًا السبت بعد العصر للمشاركة في المظاهرة القطرية التي ستنطلق من أمام ساحة مسجد الفاتح – حي الظهر، لإطلاق صرخة مدويّة ضد العنف والجريمة. هذه دعوة لكم يا أهلنا لتأخذوا دوركم، بأقلّ القليل، بالمشاركة في مسيرة شعبية احتجاجية على ما يحدث في بلدنا ومجتمعنا. هلموا بجماهيركم لنطلقها صرخةً عاليةً مدويّةً نقول من خلالها: كفى للظلم، كفى للعنف، كفى للقتل ونزيف الدماء في بلداتنا، كفى لتخاذل الشرطة والدولة، كفى وقوفًا من بعيد والتفرج على ما يحدث دون حراكٍ، اخرجوا من بيوتكم وارفعوا صوتكم.